من أنت؟ وما هو ترتيب أولويات هويتك؟

بقلم: ياسمين يوسف

25 مايو، 2020

من أنت؟ كيف تصف نفسك؟
إنسان؟ مؤمن؟ رجل أو أمرأة؟ قومي تنتمي لبلدٍ ما؟ أب أو أم؟

إذا كانت هذه هي أسس هويتك التي تستقي منها المعايير والقيم الحاكمة لحياتك والهادية لأفكارك، ومشاعرك، وسلوكك، فهل لها ترتيب معيّن وهل يسبق أحدها الآخر؟

إذا كنتِ امرأة أولاً، فلربما أعطيتِ أولوية لإظهار أنوثتك وبالتبعية ربما تتصارعين مع فكرة الحجاب وعدم اظهار الزينة. ولربما أخذتك دروب النسوية المغالية بعيدًا ووجدتِ نفسك تنقمين على دينٍ يعطيها أقل من الرجل في الميراث (في أربع حالات من حالات المواريث) أو “يفرض” عليها وصايةً منه.

هل يأتي انتماؤك لبلدك في المقاوم الأول قبل كل العناصر الأخرى لهويتك؟ هل تميل أينما مال هذا البلد وتؤيد كل ما يفعله حتى لو تعارض مع قيم الحق والعدل وغيرها من القيم السامية؟ هل تنبري لمواجهة ومعاداة أي قومية أخرى تختلف مع بلدك في التوجّه وبدون الاحتكام لمعايير عادلة للحكم على الأمور؟ 

هل أنت أبٌ طغت أبوّتك على كل الأسس الأخرى لهويتك، فترفّقت بإبنك ولم توقظه لصلاة الفجر كي لا تُقلق راحته؟ علّمًا بأنك عندما توقظه، فأنت تدرّبه على مقاومة ما يحب من راحة ودفء وعلى تحمّل ما يكره من استيقاظ مبكر وجهد… مما يهيئه يوميًا لمواجهة الحياة! هل لا تجتهد كثيرًا في تحري الرزق الحلال وتتصارع مع فكرة قبول تعاملات واستثمارات ربوية لتؤمّن مستقبل الأبناء؟

إلى ماذا تستند هويتك أيضًا؟ قد ينتمي البعض ويتعصّب لفريق كرة قدم، فينسيه هذا الانتماء أسس الحق في الحكم على الأمور بالنسبة لأداء الفرق واستحقاق الفوز، بل وقد يتدافع قبل المباريات للدخول وقد يتشاجر بعدها ويتسبب في إيذاء الآخرين دفاعًا عن تلك الهوية متناسيًا أبسط القيم وقواعد السلوك!

وماذا عن الإنسانية؟ أليست الإنسانية هي القاسم المشترك الأعظم بين البشر وتأتي قبل انتماءاتهم الدينية؟ إذا كنت إنسانًا أولاً، فمن أين ستأتي بمنظومة قيم وبمعايير ضابطة لتعاملك مع نفسك ومع بقية البشر وهم لم ولن يتفقوا على أبسط المفاهيم؟ ثم كيف ستتعامل مع الكون كله بمخلوقاته وموارد؟ إذا كان ليس هناك قانون موّحد حاكم للإنسانية، فيكف يمكن أن تعامل مع الكون؟ نحتاج منظومة أعلى وأكبر من الإنسانية! نحتاج منظومة وضعها خالق كل هذا الكون. 

انتبه، الأساس الذي تعطيه الأولوية في بناء هويتك، هو الذي سيقود حياتك. وكل هذه الأسس لا تأتي بمعايير ولا قيم حاكمة محددة وغير نسبية. فقط الإيمان بالله ﷻ يأتي محمّلاً بخارطة طريقٍ كاملة تحتوي على القيم ومعايير الصواب والخطأ. الإيمان يمنحك منهجية تحمل في طياتها اعتبارات النتائج لكل الأفعال والأحوال وعلى المدى البعيد يمتد لأجيال. لذلك قد ننظر لشيئ نظرة آنية محدودة ونعتقد أن الخير فيه هو المساواة الإنسانية، بينما على المدى الطويل الذي لا نراه، قد تكون النتائج كارثية لتلك المساواة أو لذلك الفعل. فما هي معايير حكمك على الأمور من منظور إنساني؟ وكيف ستتعامل مع نسبية هذا المنظور؟

فإذا عشت لله ﷻ تعرّف نفسك بأنك مؤمنٌ أولاً، انضبطت كل الأسس الأخرى لهويتك ووجدت مرجعية ثابتة تستند عليها ومنظومة قيم متكاملة نستلهمها من أسماء الله الحسنى وتصلح لكل زمان ومكان بمعانيها العالمية غير المحدودة بعرق أو جنسية أو نوع أو بأي قيودٍ أخرى. فتجد نفسك تعيش بالحق، والعدل، والحياء، والستر، والحكمة، والنفع، والعطاء، وكل المعاني السامية في أسماء الله الحسنى. وتجد نفسك رحمة للعالم أجمع. وتجد في هذا الإيمان المرجعية في كل دور من أدوارك وأيًا كانت الأسس التي تُضمنها في نسيج هويتك.

وإن لم تفعل، إن تغلبت بقية المحاب على حبك لتلك الهوية الإيمانية، فستكون النتيجة هي اختلال سلامك النفسي. يقول تعالى في سورة التوبة:

“قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ” (24)

فإن كانت كل أسس الهوية الأخرى أحب إلينا من الإيمان بالله ﷻ والانضباط تحت لواء أوامره ونواهيه وسنة نبيه ﷺ والجهاد المطلوب لتحقيق ذلك، فسوف نقضي الحياة في تربص، في انتظارٍ بقلق وتوتر بدون أن نصل لشيئ! سوف نخاف على فقدان ما نحب ونعيش بقلق على هذه التجارة، وهذا البيت، وذلك الزوج، وتلك الابنة! سوف نسعى لإرضاء الجميع حتى ولو على حساب قيمنا ومبادئنا وتتلاشى هويتنا تمامًا في أثناء اللهاث لإرضاء كل تلك المحاب الأخرى. لاحظ كلمة الفاسقين في نهاية الآية الكريمة. فالفسق هو الخروج عن شيئ، كما يُقال فسق التمر أي خرج من قشرته. فإن الله ﷻ يهدينا بإيماننا:

“إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَانِهِمْ ۖ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ” (يونس:9)

ومن يفسق أى ينسلخ من ذلك الإيمان وتلك الهوية، فيكف له أن يهتدي؟ فالهداية منسوجة داخل تفاصيل الإيمان!

من أنت؟ ما هي أسس هويتك التي تستقي منها منظومة قيمك؟ وهل ترتيب تلك الأسس، صحيحٌ في حياتك؟

إذا كنت تود اختصار المسافات، وتقليص فرص الألم والمعاناة الإنسانية، وتقليل فرص الخطأ في المحاولة، فليكن الإيمان هو مصدر هويتك ودليلك الهادي. فما وراء ذلك هو التربص والقلق والتخبط والإيذاء للنفس وللآخرين. هويتك الإيمانية، ينصلح عليها كل شيئ في حياتك وحياة الآخرين بإذن الله ﷻ.

ودمتم في سلام…