كيف لا نسعى لمعرفته

كيف لا نسعى لمعرفته سبحانه!

في حياة كلٍ من علاقاتٌ ثلاث؛ علاقته بالله عزّ وجلّ، وعلاقته بنفسه، وعلاقته بالآخرين. ومنا من ينشغل بعلاقته بالآخرين وهو لا يعلم أن حياته كالشجرة؛ جذورها العلاقة بالله عزّ وجلّ يستقي منها القناعات وقواعد الحياة وسبل السعادة. وجسم شجرته هو علاقته بنفسه؛ يتحكم فيها بناءً على أسس علاقته بالله عزّ وجلّ (الجذور). وكلما كانت جذور الشجرة عميقة وقوية، كلما استطالت الشجرة في ثبات وصمدت في وجه العواصف والتحديات. وبقوة الجذور وصلابة جسم الشجرة، تمتد الفروع وتثمر الإنجازات المجتمعية للفرد. وهذا يتوافق مع منهج الفوز من سورة العصر. 

وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)

فالإيمان بالله سبحانه وتعالى هو قوام العلاقة به. وعمل الصالحات هو قوام العلاقة بالنفس. والتواصي بالحق والتواصي بالصبر هو قوام العلاقة بالآخرين. فكانت تلك السورة جامعة لأسس العلاقات الثلاث.

إذا كان الأمر هكذا، فكيف لا نسعى لمعرفته سبحانه ولإرضاءه كما نفعل مع الآخرين؟ أليس هذا هو سبب شقاء معظم الناس؟! أنهم يتيهون في الحياة من المهدِ إلى اللحد يسعون لتحقيق انتصارات مجتمعية بدون الالتفات لمعرفة أنسفهم أولاً؟ حتى العلوم الإنسانية تسعى لمساعدة الإنسان على معرفة نفسه. فهذا “ستيفين كوفي” يرشد من يتدربون معه على برنامج “العادات السبع للشخصيات الأكثر فاعلية” إلى تحقيق “النصر الشخصي” أولاً قبل تحقيق “النصر المجتمعي”. تقول الحكمة الإغريقية “أعرف نفسك، تحكّم في نفسك، أعطِ نفسك”. وكيف يمكن أن يعرف الإنسان نفسه بدون معرفة خالقه أولاً؟!

في هذا الإطار، أسوق مشهدًا مثيرًا للتفكير من فيلم (والدات وبنات) Mothers and Daughters

ففي هذا المشهد تتحاور (ليلى) (الكيساندرا دانيلز) مع والدتها بالتنبي (نينا) (شارون ستون) حول لقائها الأول بوالدتها التي أنجبتها، وسألت (ليلى) والدتها بالتبني (نينا) عما إذا كانت قد غضبت لسعيها في لقاء والدتها الحقيقية قائلة وهي تبكي:

“أنت لا تعرفين شعور أن تعيشي حياتك كلها ولا تعرفين أي شخص آخر يشبهك. أن تعرفي أنه لا أحد في العالم يملك يدين تشبهان يديك أو عينين تشبهان عينيك أو له مثل أسنانك المعوجة.. لقد تسائلت ماذا لو مرت حياتي كلها دون أن أحصل على فرصة واحدة لأراها وانظر إليها”!

فترد عليها (نينا) قائلة: “بل أعلم.. إن ذلك من أكثر الرغبات طبيعية في الحياة، وهو شعور طبيعي تمامًا مثل التنفس. أعتقد أن كل شخص يريد أن يعرف من أين أتى، وإنه لأمر مثير حقًا أن أملك،حينما أضحك، تجعيدات أنف والدتي نفسها. وأنا دائمًا ما أجلس في السيارة محتضنة حقيبتي مثلها تمامًا”

ومن ينكر وجود الله أو لا يسعى لمعرفته يكون كالجنين الذي لا يعرف أمّه. فهو يطمئن لسماع نبض قلبها ويتغذّى من عطائها ويعيش آمنًا في دفئها ويأتيه صوتها في غموضٍ من بعيد يربطه بها… وقد يظن أن تلك هي الراحة والسعادة. ولكنه لا يعلم ما ينتظره من سعادة إذا رآها وعرفها! لا يعلم ما ينتظره من مشاعر وحنان واطمئنان بلمستها والابتسام لابتسامتها العذبة. لا يعرف كيف ستزرع نظراتها المُحبّة، حبها في قلبه! ولا يسمح لنفسه أن ينهل من بحر خبراتها ومعرفتها التي سبقت معرفته. فيالخسارته إن لم يعرفها! ويالخسارته إن أنكر وجودها بل وبخسها حقها عليه! سيعيش ظالمًا لنفسه وظالمًا لأمّه! سيعيش حياة غير مكتملة وقد تخلو حياته من المعنى.

ولله المثل الأعلى ..ومعرفتنا به تكون من خلال دراسة أسمائه الحسنى. ومن خلال قراءة قرآنه بتدبّر باحثين عن رسائله لنا. وعن طريق الالتزام بأوامره ونواهيه التي لم تُوضع إلا لصلاح حياتنا. وتكون بالنظر في الكون والتدبر في آياته وعظيم خلقه. فكل شيء يدل عليه سبحانه.

أليس طبيعيًا أن يريد كل منا أن يعرف خالقه؟! كيف لا تسيطر الرغبة في معرفته علي تفكيرنا؟ كيف لا نسعى لبناء تلك العلاقة الأولى والأساسية في كل يومٍ من أيامنا! ألم يحن الوقت للعناية بشجرتك؟

فكيف إذا لا نسعى لمعرفته سبحانه!