عندما تموت الأحلام!

بقلم: ياسمين يوسف
بتاريخ: 14 مارس، 2020

في ظل كل الظروف العصيبة التي يمر بها من يعيش في هذه الحقبة التاريخية التي تعجّ بالإحداث الجسام على المستوى المحلي والعالمي، وأيضًا على المستوى الشخصي للأفراد، أردت أن أقدّم بعض السطور عن طبيعة الأزمات وعن موت الأحلام الشخصية وعن طبيعة الحياة بشكلٍ عام. في السطور القليلة القادمة، أنقل وأترجم لكم بعض الأفكار الفلسفية العميقة من هارولد كوشنر Harold Kushner وهو أحد المفكرين المميزين. كل ما يقوله “هارولد” وأنقله وأترجمه أنا هنا، هو وجهة نظر ومُقترح للنظر لطبيعة الحياة وطبيعة الأحلام والأزمات. يمكنك أن تقبله أو ترفضه. ولكن على الأقل، أتمنى أن تفكّر به. أنا معكم في هذا المقال ولكن من خلال كلمات “هارولد” ومفكرين آخرين.

عندما تموت الأحلام
أنت تبني حياتك في مخيلتك وتخطط لها وتتعلّق بتصورٍ ما عن السعادة. ومن خلال هذا التصور تنسج الأحلام وتترقب تحققها. وعندما تموت الأحلام ولا تتحقق، يموت معها جزء منك، أو تموت إرادتك ورغبتك في الحياة. فماذا يقول “هارولد كوشنر” عن ذلك؟

يتحدث “هارولد كوشنر” عن مقولة للمفكر والباحث “جوزيف كامبل” Joseph Campbell مفادها أنه عليك بأن تكون مستعدًا للتخلي عن الحياة التي قمت بالتخطيط لها لكي يتسنى لك أن تعيش الحياة التي تنتظرك. فيجب أن تنزع الجلد القديم وتتخلص منه قبل أن تستمتع بالجلد الجديد. أحيانًا يجب أن تسمح للحلم بأن يموت أو لأن يتغيّر بالكلية لتسمح لنفسك بحياة بديلة جميلة في حد ذاتها أيضًا.

ويقول “دانيال ليفينسون” Daniel J. Levinson أنه عليك أن تحرر نفسك من “طغيان الحلم” واستبداده tyranny of the dream فعندما أقنعت نفسك أنه هناك شيء واحد فقط بإمكانه أن يجعلك سعيدًا في هذه الحياة، فأنت قد استعبدت نفسك لهذا الحلم ونسجت تعاستك بيدك. فأحيانًا يجب أن تسمح للحلم بأن يموت. فهذا الشاب الذي التحق بكلية الطب مؤمنًا بأنه سوف يكتشف علاجًا لمرض السرطان، ربما وجد نفسه في النهاية يمسك بيد مريض سرطان وهو يحتضر ويحاول أن يقدم له بعض الدعم وأن يخفف من معاناته.

وهنا، عليه ألا يشعر بالفشل. بل يحتاج لأن يتصالح مع الواقع وأن يستبدل الحلم الأكبر، بحلم أصغر ولكنه لا يقل في الأهمية. عليه أن يركّز على حلم جديد بدلاً من القديم. والحلم الجديد أيضًا لديه القدرة على اسعاده.

ماذا نفعل تجاه هذا العالم القاسي؟!
هل نستطيع أن نثق في قدرتنا على البقاء في هذا العالم؟ هل نستطيع أن نثق في الناس؟ ماذا نفعل تجاه كل هذه الكوارث؟! لماذا كل هذه المعاناة والألم؟ يقول “هارولد كوشنر” أن الحياة ستؤلمك إذا كنت تحياها بالطريقة الصحيحة! فإذا أحببت عدد كبير من الناس، سوف يفارقك أحدهم يومًا ما لا محالة. وإذا تقدمت لوظيفة تريدها بشدة، فهناك العديد ممن تقدموا لها وشخص واحد فقط هو الذي سيحظى بها. وغير هذا من الأمور التي ستؤلمك. وما تحتاجه هو ليس حياة مبهجة ناعمة لا تتعرض فيها لأية اختبارات! ما تحتاجه هو بناء المناعة والمقاومة للتعامل مع تلك الاختبارات!

ولكن ماذا نفعل عند قيام الحروب، والزلازل وعندما نفقد من نحب، وعندما تموت الأحلام؟ بالفعل نحن لا نستطيع أن نثق في هذه الحياة. لا نستطيع أن نثق في الطبيعة. لا نستطيع أن نثق في أن الآخرين لن يؤذونا أو يؤلمونا. فماذا نفعل؟ يقول “هارولد كوشنر” أن الإجابة هي أن نحيا بشجاعة في وجه عالم لا يُعتمد عليه! والمشكلة أننا نربط الألم والمعاناة بالعقوبة. لذلك نرى التحديات على أنها شيء سيئ ونتساءل “لماذا”؟ وعندما تحدث التحديات والكوارث، لا يهم ما الذى سببها. لا يهم لماذا حدثت. ما يهم هو، ما الذي ستفعله حيالها؟ وهذا هو الشيء الوحيد الذي يمكنك فعله، لأن البديل الآخر هو الهلع، أو الاستسلام واليأس.

لماذا أنا؟
السؤال هو ليس “لماذا أنا يحدث لي كل هذا”! السؤال هو، ما الذي يمكن أن أفعله حيال هذا! قد لا يكون لديك تحكم فيما يحدث لك أو من حولك. ولكن دومًا لديك اختيار في كيفية تعاملك معه. الحرية الوحيدة التي لا يستطيع أحدٌ أن ينتزعها منك هي حريتك في اختيار ردة فعلك. ففي وقت الأزمات، عليك أن تبحث بداخلك ومن حولك عن الموارد التي تساعدك في الخروج من هذه الأزمة. وبنسبة عالية، إذا بحثت بعمق بداخلك ومن حولك، سوف تجد تلك الموارد بإذن الله.

أين تجد هذه الموارد وكيف تعيش هذه الحياة؟
لقد وضعنا الله ﷻ على هذه الأرض وفي هذه الحياة وهو يعلم قدر المعاناة التي سيتعرّض لها كلٌ منا وأن هذه الحياة يمكن أن تكسرنا! ولكنه عوّضنا بقدرتنا على المقاومة وبناء المناعة. والأمر لا يمكن أن يكون بطريقة استباقية. يقول “هارولد كوشنر” أنه إذا كان أخبره أحدهم أنه سوف يتزوج وينجب ابنًا يحبه بقوة، وسوف يتم تشخيص هذا الابن بمرض خطير وسوف يفقد ابنه، ثم إذا سألوه حينها “هل تستطيع التعامل مع هذا”؟ بالتأكيد كانت ستكون إجابته “لا”. ولكنه عندما عاش تفاصيل كل شيء بالتدريج واختار ألا يفقد إيمانه وألا يعيش بعقلية الضحية يتحسّر على نفسه بقية العمر، استطاع أن يستجمع قواه مرة أخرى وأن يؤلّف كتابًا أصبح ملاذًا لمن يمرون بمحنٍ مشابهة. والكتاب هو “عندما تحدث الأحداث السيئة للناس الطيبين” When Bad Things Happen to Good People. واستطاع أن ينمو وأن يكون مصدرًا للقوة والإلهام للآخرين.

والأمر يشبه التدرّب على رفع الأثقال. تتمرّن ببطء وتدرّج لتقوية العضلات وترفع التحدي تدريجيًا حتى تكتسب القوة الكافية. فالحياة تتعلمها بالتجربة experiencing وأنت تحياها. تأتي لك التفاصيل تدريجيًا وتتعامل مع كلٍ منها حتى تكتسب القوة القصوى. لذلك من المهم أن “تختار” كيف تستجيب لأحداث الحياة. ولذلك عليك الترحيب بالاحباطات الصغير والممارسة والتدرّب عن طريقها؛ تلك الجائزة التي لم تفز بها، وهذه الوظيفة التي لم يتم قبولك فيها، وغيرها من الاحباطات الصغيرة الهامة لتدريبك على بناء المقاومة والمناعة والصبر. حتى إذا أتت التحديات الكبيرة، تجد لديك القوة بإذن الله لمواجهتها.

وماذا عن الخوف من المحاولة؟
الكثير منا تمنعه حالات الخوف وتمنعه احتمالات الفشل من المحاولة وتجربة ما هو جديد عليهم. يقول “هارولد كوشنر”، عندما تواجهك الحياة بإحتمالين أو افتراضين لا تستطيع اثبات أيٍ منهما، قم باختيار الاحتمالية التي تقدّم لك المزيد من الحياة والحيوية. مثلاً إذا كان هناك افتراضان: الزواج سيسعدني ويشعرني بالألفة، أو الزواج مخاطرة وهناك نسب طلاق كبيرة. أو هناك إله أو لا يوجد إله. مع كل احتمالين لا تستطيع اثبات أيٍ منهما، قم باختيار الاحتمال الذي يجعلك تحب أن تنهض في الصباح من فراشك، الاحتمال الذي يعطيك الأمل، الاحتمال الذي يعطيك الرغبة في الحياة… ثم أقدِم عليه!

انعكاسات من مشروع سلام
الله ﷻ خلق الموت والحياة ليبلونا أينا أحسن عملاً. أي أن كل شيء هو لاختبار ردة فعلك تجاه الأحداث من حولك. فالله ﷻ الجبار، القهار، المانع، المؤخر، القابض، المميت، المذل، القادر، المقتدر، وضع قوانين القهر والاجبار والمنع في الكون لحفظ الحياة ولهدايتك. راجع مقال سبحان من قهر عباده بالحب. وهو سبحانه أعطاك حظًا من كل تلك الصفات أيضًا. فأنت تقدر على بناء الصبر، والمقاومة، والمناعة بإذن الله القادر.

أنت تقدر على منع نفسك ومنع الآخرين مما يؤذي بسم الله المانع. أنت تقدر على قهر مشاعرك واجبار نفسك على السلوك السليم، بسم الله القهّار الجبّار. أنت تقدر على اماتة ما يعيق تقدمك من علاقات، أو تحديات، أو حتى أحلام بسم الله المميت!!! وتقدر على صناعة علاقات، وبدايات، وأحلام جديدة بإذن الله الخالق، الباريء، الواجد. أنت قادر على تذليل الصعاب، بسم الله المُذل. فلا تفترض أن الحياة ينبغي أن تكون سهلة ليّنة جميلة تعيش فيها بسلاسة بدون ألم. بل هي مقاومة وتحدٍ ومغالبة. فتدرّج فيها صعوبةً تلو الأخرى بانيًا لمقاومتك وإرادتك بسم الله القوي القادر. فإن مات حلمٌ، أحيي غيره بسم الله المُحيي!