ضوابط للجمال من أسماء الله الحسنى

بقلم: ياسمين يوسف

عندما نتأمل في كون الله ﷻ، تجد أن أسماء الله الحسنى تتجلى في كل ما صنع. عندما تعيش الحياة بوعي وحضور وتستلهم من خلق الله

ﷻ الرسائل الضمنية، ستجد ما يضع لك معايير لكل شيء. اليوم نعرض لبعض تلك الضوابط والمعايير فيما يتعلّق بمفهوم الجمال ونربط هذا بأسماء الله الحسنى لندرك أن الإيمان به سبحانه، يُصلح كل شيئ. 

الظاهر، والباطن

الله ﷻ تجلى الجمال والاتقان في صنعه في ظاهر الشيء وباطنه. فالجمال موجود في أطراف المجرة التي لم نعرفها بعد، وفي أعماق البحار التي لم نصل إليها بعد! فسواء ترى أعيننا الجمال أو تصل إليه أو لا، فالله ﷻ صنعه جميل لأنه سبحانه حريٌ بذلك الجمال سواء رأيناه أو قدّرناه أو لا. والجمال موجود في خارج القوقعة الجميعة محكمة التصميم والأبعاد، وفي داخلها حيث لا تمتد عين!

فهل يمكن أن نضع ذلك معيارًا للجمال؟ ابتداءً من تحسين الخُلق والسرائر مع تجميل المظهر الخارجي، ومرورًا بإضافة الجمال والاتقان لكل ما نفعل سواءً سيراه الآخرون أم لا، أو سواءً قاموا بتقديره من عدمه، ومرورًا بتجميل خارج كل شيء وباطنه! يجعل هذا الضابط دافعيتك داخلية ذاتية. بينما حين تسعى لتجميل ما يراه الناس فقط، أو تسعى لكسب استحسانهم، ستتوقف عندما لا يلاحظون جهدك وعملك. يهديك هذا الضابط إلى الإخلاص.  

الحيي

من اسم الله الحيي، نتعلّم الحياء فيما يتعلّق بالجمال. حينها لن يطل علينا المتحدّث بإسم الجمال والإبداع، بما يخدش حياء الفطرة السليمة العفيفة. سيكون هناك ضابط داخلي يدفعه لتحري الحياء والحفاظ على مشاعر الآخرين.

الستير

والله عزّ وجلّ هو الستير سبحانه. فمن ضوابط الجمال، الغموض والخصوصية والاحتشام الذي يُضفي المزيد من الجمال ولا ينتقص منه. 

الواحد

الله سبحانه وتعالى متفرّدٌ ليس كمثله شيء. وهو سبحانه قد خلق كلاً منا بتفرّد. فأنت لك بصمة أصبع مختلفة عن كل البشر، وبصمة عين مختلفة تميّزك بها مطارات العالم، وبصمة صوت فريدة تمكّن البنوك من التأكد من هويتك. وأنت فريد في جمالك أيضًا. ومن أظلم ما فعلنا كبشر، هو تحديد مقاييس عالمية موحدة للجمال تتصارع نساء العالم لنيلها تبييضًا، وشدًا، وشفطًا، وحشوًا، وتنحيفًا! أنتِ مميزة بلون بشرتك وخلقتك وتفاصيلك ظاهرًا وباطنًا. 

الرجل والمرأة

بما أن الجمال هو عامل مؤثر وقوي في العلاقة بين الرجل والمرأة، تعالوا ننظر إلى آلية تلك العلاقة في خلق الله عزّ وجلّ. في معظم الحيوانات، في الغالب، الذكر هو الذي يتحمل مسؤولية اجتذاب الأنثى ومحاولة إقناعها بأنه هو المناسب لها. ويكون ذلك باستعراض جماله أو قوته أو برقصات مميزة أو بعمل حلقات رملية ساحرة كما في حالة بعض الأسماك التي يتغلب ذكورها على بساطة مظهرهم بذلك الإبداع الفني (صورة مُرفقة). وفي عالم البشر، أصبحت المرأة هي التي تسعى لكسب انتباه الرجل بتجميل مظهرها ومحاولة إقناعه أنها الأجمل. فهل يمكن أن نتعلّم من التأمل في خلق الله ﷻ وأن تعتز المرأة بكونها إنسان له عقل وقلب يسعى لإضافة القيمة والنفع والنمو، قبل أن تكون مخلوقة بقالب جميل تسعى للفت الانتباه إليه؟

كما أننا عندما نتأمل في خلق الله ﷻ، نجد أن الإناث في معظم فصائل الطيور والحيوانات والأسماك، أقل جمالاً وجاذبية من الذكور. بعض الدراسات تبحث إمكانية أن تكون تلك الظاهرة سببها أن تتجنب الإناث التحرش والاهتمام الزائد من الذكور، إلى جانب السبب البديهي وهو ابهار الإنثى وجذب انتباهها. فماذا نتعلّم نحن البشر؟ وقبل أن ينتفض المدافعون عن حقوق المرأة ويتهمون الإسلام بأنه يغطي المرأة بدلاً من أن يتحكّم الرجل في نفسه، نؤصّل لنقطتين:

– مسؤولية عفة المجتمع والأفراد هي مسؤولية مشتركة بين الرجل والمرأة يلتزم فيها الرجل والمرأة بآداب التعامل مع الجنس الآخر من غض البصر وعدم التلامس وغيرها. وتتعاون فيه المرأة أيضًا باللباس المحتشم وعدم تعمّد لفت الانتباه.

– الحجاب السليم هو الذي يسوي بين الرجل والمرأة، فيكون التركيز في أي تفاعل بينهما على ما يقدمه كل منهما من نفع وأفكار ومساهمة ولا يأسر الاهتمام فقط مظهرُ المرأة في أي مشهد.

إن خالق الجمال سبحانه، قد وضع معايير الجمال وقوانين حفظه والاستفادة منه بدلاً من أن يكون عائقًا للعلاقات الإنسانية. وهذه دعوة للتأمل والتفكّر.

الغني

الله عزّ وجلّ هو الغني. ونجد هذا الغنى والثراء متجليًا في خلقه. فهو سبحانه خلق مئات الأنواع من الزهور تتميز كل منها بشكل، ولون، ورحيق مختلف. وخلق مئات الأنواع من التوابل التي تُضفى مذاقات، وألوان، وقوام مختلف وثري لأطعمتنا. والباريء الخالق سبحانه خلق مئات الفصائل والأنواع من الطير والحيوان والأسماك. وعلى قلة عدد عناصر الوجه البشري، تجد إبداعًا ليس له مثيل في تنوع أشكال ملايين البشر حيث قلّما يتشابه الناس بشكل متطابق! فإين هذا الغنى والثراء والتنوّع في حياتك وفي عملك وفي مهاراتك وفي مظهرك؟ 

ماذا أيضًا؟

إن المتأمل في خلق الله عزّ وجلّ، يجد عددًا لا حصر له من الرسائل الربانية التي من شأنها أن تجعلك حياتنا خيالية في جمالها وروعتها وتجددها! ماذا أيضًا؟ ما الذي نتعلّمه من القوي، المتين، النافع؟ ماذا أيضًا يمكن أن نتعلّمه من الإيمان بالخالق، الجميل، البديع، المصوّر سبحانه؟