سلام من القلب

بقلم سامي أبو حطب

استيقظت في أحد أيام اسطنبول الصيفية بنشاط وحيوية لم يسبق لي أن شعرت بمثلهما، منفرج الأسارير منبسط المزاج، وتحضرت لأتوجه إلى فندق هيلتون بوسفور والذي سيستضيف دورة إعداد المدربين التي سأشترك بها لستة أيام قادمة وسيكون الدكتور طارق السويدان هو المدرب فيها. 

دخلت القاعة وأخدت مكاناً لي على إحدى الطاولات وبدأت أجهز نفسي لألتقي الدكتور طارق كمدرب وهو الذي عرفته داعياً ومعلماً على قناة الرسالة وقبلها على أشرطة الكاسيت.

وبعد فترة وجيزة امتلأت القاعة وكنت أترقب رؤية الدكتور طارق لأول مرة في حياتي وجهاً لوجه، دون وسائط، فلا أقمار صناعية ولا كبلات في عرض البحر، وجهاً لوجه ودون مؤثرات جانبية.

بعد قليل دخل المدرب القاعة مبتسماً بشوشاً فألقى السلام بصوت عال يسمعه الجميع ورددنا السلام عليه، وبدأ يتبادل السلام والتحية مع بعض الأفراد خصوصاً من كانوا معه في دورات سابقة ويعرفهم جيداً.

بعد الانتهاء من السلام والتحضيرات النهائية، بدأ التدريب بمقدمة جميلة تتحدث عن النية والهدف في الحياة والمشروع الفعال والشباب النشيط وبينما نحن نستمع بشغف ونسجل ملاحظاتنا قاطع الدكتور طارق كلامه وأفكاره وقال، أين ياسمين فنظرت إلى الخلف فرأيت إحدى المشتركات ترفع يدها.

ثم قال لنا: ياسمين لديها مشروع جديد مبدع، لم أر مثله من قبل، مشروع يجمع بين أسماء الله الحسنى وعلم النفسي الإيجابي والتنمية البشرية، وأذكر أيضاً أنه قال: ولو أني اطلعت على مشروعها وكتبها قبل أن أنشر نسختي الأخيرة عن أسماء الله الحسنى لتوقفت عن نشرها وقمت بتعديلها، والكلام هنا للدكتور طارق.

قلت متعجباً في نفسي ما هذا المشروع وهذه الكتب التي لقيت كل هذا المديح في أول نصف ساعة من برنامج تدريبي يمتد لستة أيام، لماذا الإصرار على هذه البداية! 

في اليوم التالي تم إبلاغنا أنه بعد الدورة بحوالي الساعتين تم تخصيص جلسة لياسمين لتقدم للمشتركين ورشة صغيرة عن مشروعها والذي يسمى “سلام”، فقلت لنفسي “سلام” في هذا العصر! نحن نحتاج إلى برنامج “حرب وقوة ” لا إلى برنامج “سلام”!

حان وقت عرض ياسمين ودخلنا القاعة لنستمع لها كي تحدثنا عن مشروعها “العالمي” كما وصفه الدكتور طارق.

ثم ابتدأ الحديث الآن. البداية كانت تحدثنا عن الثقة بالله وخياراته لنا، واستخدمت لذلك تمريناً عبر بامتياز عن الفكرة. بدأ الحديث عن علم النفس وعلم النفس الإيجابي والتغيير والشخصيات العظيمة، وأذكر أنها أدخلت في هذا كله كلاماُ لابن القيم! ابن القيم! نعم استغربت، وأنا مازلت أسأل وماذا بعد! ومتى الحديث عن أسماء الله الحسنى، وفي غمرة أسئلتي بدأت التقاطعات الرهيبة تظهر أمامي، تنقلني من فكرة في علم النفس الإيجابي لتربطها باسم من أسماء الله الحسنى مستشهدة بذلك بآية من القرآن الكريم، وهنا وجدت نفسي أقول “رهيبة”!

وبدأ هنا العرض المذهل بالنسبة لي، وكأنها تفك شيفرات مخابراتية كالتي كان يفكها جو ناش في فيلم “العقل الجميل”، كيف استطاعت أن تربط بين هذا كله وتخرج بهذه النتيجة! لقد كان بالفعل تقديماً رائعاً.

بعد هذا العرض وكغيري من المشتركين أصبحت مهتماً أكثر بالتعرف إلى تفاصيل المشروع وأن أسهم فيه ولو بكلمة دعم، “بشق تمرة”، وسمعت من ياسمين تفاصيل جميلة جداً عن المشروع ونشأة الفكرة وتطورها حتى وصلت لكتابته وانتهت به مشروعاً متكاملاً للتنمية البشرية بمرجعية إسلامية.

“سلام” كما فهمته هو مشروع متكامل للنهضة بالإنسان، أينما كان وحيثما كان، مشروع يركز على الإنسان كونه المورد الأكثر قيمة في هذا الكون، مشروع مبدع بأساليبه وبمعلوماته وبطرقه، لكي ينهض بالبشرية من الوحل الذي غاصت فيه لينتشله إلى درجات راقية أراد الله للبشر أن يكونوا فيها، “سلام” ليس دعوة سلبية للسلام كما فهمت بداية، بل على العكس هو يعلم الإنسان بقيم سامية أن يكون قوياً مدافعاً عن الحق، رحيماً بالناس، عفواً وودوداً، كل في وقته، دون إفراط ولا تفريط.

“سلام” هو مشروع الإنسانية لتنهض بالبشر من جديد، مشروع عالمي بصبغة إسلامية يعتمد على العلم الحديث.

“سلام” من القلب إلى القلب، لسلامة القلب…