حياء!

بقلم: يسرا الهواري

مدربة أداء بدني وباحثة في علم النفس الرياضي

عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: الإيمان بضع، وسبعون أو بضع، وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان، متفق عليه. ويقول ﷺ “إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ حَيِيٌّ سَتِيرٌ، يحب الحياءَ والسَّتر.”

الحياء هو قيمة حميدة وهو من الصفات التي اتصف بها سيدنا ونبينا محمد ﷺ، فقيل كان رسول الله ﷺ أشدَّ حياءً من العذراء. الحياء هو غريزة فطرية غرزها الله ﷻ في كل نفس، وطبيعة بشرية لا ترتبط بالدين. أما حياء الإيمان وما يعرف “بالحياء المكتسب” هو ما يمنع المؤمن من أن يقترف إثماً فيستحي أن يُقبل على الذنوب خوفًا من الله ﷻ وطمعًا، ورجاءً في رحمته. الحياء هو صفة من صفات الإيمان التي ترتفع، وتنخفض مع الوقت، وبنوعيه (الحياء الفطري والحياء المكتسب) يعتبر من السلوكيات البشرية التي تتأثر بالعوامل البيئية الخارجية. دعونا نُلقي بعض الضوء على ما هو مُكتسب في سلوك الإنسان وما هو مُشفّر في جيناته. وعندما ندرك طبيعة السلوك البشري، نؤمن أننا لسنا فقط قادرين على القيم والصفات الحميدة، بل أننا يمكن أن ندرجها في تكويننا الجيني الذي نورثه لأبنائنا.  

يُشار إلى السلوكيات البشرية في علم الوراثة السلوكية على أنها أفعال تتأثر بالتركيب الجيني المكتسب للفرد، ومن جانب آخر هي في الوقت نفسه تُعتبر عوامل خارجية تؤثر في طبيعة الجينات، وعملها ولا تغير في تركيبها. كثيراً من الادعاءات التي تربط السلوكيات المنحرفة بالتركيب الجيني للفرد تهمش هذه الحقيقة العلمية، وهي أن سلوك الفرد “كعامل خارجي” متأثر بالعوامل البيئية المختلفة هو أحد أهم العوامل التي تؤثر في “التعبير الجيني” gene expression فتعمل على تعطيل أو تفعيل جينات معينة. مما يؤثر على وظائف الجسم الحيوية كحدوث تغير في إفراز بعض الهرمونات أو خلل في وظيفة جهاز ما، وغيرها من التغيرات التي تنعكس على الإنسان نفسياً وجسدياً. ويتضح هنا أنها عملية متداخلة فالسلوك متأثر في الغالب وفي نفس الوقت يلعب دور المؤثر. كما أشارت بعض الدراسات أن هذه التغيرات الفوق الجينية إذا ما تكررت، واستمرت لفترات زمنية طويلة، قد تتحول من تأثيرات عرضية إلى تغيرات ثابتة في التركيب الجيني، وقد تنتقل هذه الطفرات، وتتوارث من جيل إلى آخر فتثبت على حالها الجديد في الأجيال المستقبلية.

من المثير للاهتمام أن بعض الباحثين استدل بهذه الحقيقة العلمية على أن الأفراد يتمتعون بنوع من الحرية فيما يتعلق بشؤونهم وترجيحاتهم وأن الأنسان غير محكوم بالتركيب الجيني أو بعوامل جينية بشكل مطلق، وإنما شخصية الفرد نفسه وما يتمتع به من قوة الإرادة، والعزيمة هي عوامل في غاية الأهمية فيما يرتبط بحياة الفرد وقراراته وتصرفاته.

هذا الارتباط الوثيق بين الشخصية وقوة الإرادة والسلوك، والذي يتمثل في حرية الأفكار، والأفعال هو ما ميز الله به ﷻ بنى البشر عن باقي المخلوقات. وجوهر هذه النظرية يؤكد أن نوع الشخصية ومصير المعتقدات والأفعال عند الإنسان هو جزئياً وبشكل واضح اختيارياً وليس جبرياً. مما يبين لنا قدرة الإنسان على التأثير، والتلاعب في العوامل الداخلية (الجينية) إذا ما تحكم في العوامل الخارجية (البيئية) ووظفها لصالحه. وفي بعض مدراس علم النفس، هذه القدرة على الاختيار هي أكثر جوهرية، وأهم من التركيب الجيني أو البيئة أو التجارب السابقة حين نتحدث عمن نحن الآن، وماذا سنكون!

ممارسة سلوكيات الحياء إذًا تساعدنا على اكتساب تلك القيمة الجميلة. يمكنك الاطلاع على السلوكيات التي تساعدك على اكتساب الحياء من خلال التطبيق المجاني “سلام للقيم“.

أدعوك لتحميل التطبيق والبحث عن قيمة الحياء وتقييم نفسك وفقًا للسلوكيات المتاحة لقيمة الحياء في التطبيق، ثم عمل خطة عمل لتطوير تلك القيمة لديك فيما يتعلق بعلاقتك بالله ﷻ، وبنفسك، وبالآخرين. حينها ستتمكن من أجرأة تلك القيمة، وتحويلها لأخلاق في حياتك بإذن الله.

 References

1- Elshinawy S. M., (2021)  Ḥayāʾ: More Than Just Modesty  https://yaqeeninstitute.org/read/paper/haya-more-than-just-modesty (Accessed April, 2022)

2- Plomin, R. and Colledge, E. (2001). Genetics and psychology: beyond heritability. European Psychologist, 6 (4). pp.229 – 240 . ISSN 10169040. 6. 10.1027//1016-9040.6.4.229

3- Davids, Keith & Baker, Joe., (2007). Genes, environment and sport performance: why the nature-nurture dualism is no longer relevant. Sports medicine (Auckland, N.Z.). 37. 961-80.

4- Campbell, T. C., & Campbell, T. M. (2016). The China study: The most comprehensive study of nutrition ever conducted and the startling implications for diet, weight loss and long-term health.

5- Bouchard TJ Jr, McGue M. (2003). Genetic and environmental influences on human psychological differences. J Neurobiol. 2003 Jan;54(1):4-45. doi: 10.1002/neu.10160. PMID: 12486697.

6- R. Holliday, T. Ho (2002). DNA methylation and epigenetic inheritance Methods, 27 (2) (2002), pp. 179-183, 10.1016/S1046-2023(02)00072-5 [PMID 12095278.    80

7- Parry J., Robinson S., Watson N., Nesti M., (2007). Sport and Spirituality; An introduction.  Routledge; 1 edition (October 11, 2007).